نقل الإمام
البيهقي في شُعبِ الإيمان عن الحَليمي أنه قال :
معلوم أن
حقوق رسول الله صلى الله عليه أجل وأعظم وأكرم وألزم لنا وأوجب علينا من حقوق
السادات على مماليكهم ، والآباء على أولادهم ؛ لأن الله تعالى أنقذنا به من النار
في الآخرة ، وعصم به لنا أرواحَنا وأبدانَنا وأعراضَنا وأموالَنا وأهلينا وأولادَنا
في العاجلة وهدانا به ، كما إذا أطعناه أدّانا إلى جنات النعيم ، فأية نعمةٍ توازي
هذه النعم ؟ وأية مِنّةٍ تُداني هذه المِنن ؟
ثم إنه جل
ثناؤه ألزمنا طاعتَه ، وتوعدنا على معصيته بالنار ، ووعدنا بأتباعه الجنة .
فأيُّ رُتبةٍ
تضاهي هذه الرتبة ؟
وأيةُ درجةٍ
تساوي في العلى هذه الدرجة ؟
فحقٌّ علينا
إذا أن نحبَّه ونجلَّه ونعظِّمَه ونَهيبه أكثر من إجلال كلِّ عبدٍ سيدَه ، وكلِّ
ولدٍ والدَه ، وبمثل هذا نطق الكتاب ، ووردت أوامر الله جل ثناؤه . قال الله عز وجل
: ( فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) فأخبر أن الفلاح إنما يكون لمن جمع إلى الإيمان به
تعزيرَه ، ولا خلاف في أن التعزير ههنا التعظيم . وقال : (
لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ
وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ ) فأبان أن حقَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمته
أن يكون معزراً موقّراً مهيباً ، ولا يعامل بالاسترسال والمباسطة كما يعامل
الأكْفَاء بعضُهم بعضا . قال الله عز وجل : ( لا
تَجْعَلُوا دُعَاء الرَّسُولِ
بَيْنَكُمْ كَدُعَاء
بَعْضِكُم بَعْضًا ) فقيل في معناه : لا تجعلوا دعائه إياكم كدعاء بعضكم بعضا
فتؤخِّروا إجابته بالأعذار والعلل التي يؤخِّرُ بها بعضُكم إجابة بعض ، ولكن عظموه
بسرعة الإجابة ، ومعاجلة الطاعة ، ولم تُجعل الصلاة لهم عذرا في التخلف عن الإجابة
إذا دعا أحدَهم وهو يصلي ، إعلاما لهم بأن الصلاة إذا لم تكن عذراً يُستباح به
تأخير الإجابة فما دونها من معاني الأعذار أبعد . انتهى كلامه – رحمه الله –
.
ومن حقوقه صلى الله عليه وسلم :
أن نُعظّم
كلامه صلى الله عليه وسلم
فلا نعرض
كلامه على كلام غيره ، ولا قوله على قول غيره كائنا من كان من الناس
.
بل نعرض كلام
الناس على كلامه صلى الله عليه وسلم فما وافق سُنّتـه قبلناه ، وما عارضها رددناه ،
وضربنا به عرض الحائط ، كما كان الأئمة الأربعة وغيرهم يقولون .
ومن حقوقه صلى الله عليه وسلم أن يُفهم عنه كلامه على مُرادِه
هو صلى الله عليه وسلم لا على مُراد غيره .
قال ابن أبي
العز في شرح الطحاوية :
فيجب أن يفهم
عن الرسول مراده من غير غلو ولا تقصير فلا يحمّل كلامه ما لا يحتمله ، ولا يُقصر به
عن مراده وما قصده من الهدى والبيان ، فكم حصل بإهمال ذلك والعدول عنه من الضلال
والعدول عن الصواب ما لا يعلمه إلا الله ، بل سوء الفهم عن الله ورسوله أصل كل بدعة
وضلالة نشأت في الإسلام ، وهو أصل كل خطأ في الفروع والأصول ، ولا سيما إن أضيف
إليه سوء القصد ، والله المستعان .
[ وأصل
الكلام لابن القيم في كتاب الروح ]
ومن حقوقه صلى الله عليه وسلم :
أن نأخذ
أقواله مأخذ الانقياد والتسليم .
سواء وافقت
أهوائنا أم لا .
وسواء علمنا
الحكمة منها أم لم نعلم .
وسواء وافقها
العلم الحديث أم لا .
فكم من الناس
اليوم يرد أقوال النبي صلى الله عليه وسلم الصحاح بحجة أنها لا توافق العلم الحديث
!
وهل العلم
الحديث قد أوتي العلم كلّـه ؟؟
(
وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً
)
وكم من عائب
قولاً صحيحاً *** وآفته من الفهم السقيم
كم عاب عائب
حديث " إذا وقع الذباب في شراب أحدكم فليغمسه ، ثم لينـزعه ، فإن في أحد جناحيه
شفاء ، وفي الآخر داء " . رواه البخاري
وما هي إلا
سُنيّات من عُمره حتى أثبتها الطب الحديث ، فعاد من أنكر الحديث يجرّ أذيال الخيبة
ليُثبت الحديث !!
ما هكذا
يُعظّم جناب النبي صلى الله عليه وسلم .
بل هذا
يُنافي توقيره صلى الله عليه وسلم .
فالواجب
الانقياد والتسليم له صلى الله عليه وسلم .
ولنقل كما
قال إمام دار الهجرة : إذا صـحّ الحديث فهـو مذهبي .
فالشأن أن
يصحّ الحديث ، فإذا صح الحديث فلا عبرة بقول قائل .
والله
المستعان ، وعليه التكلان .