الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعد وعلى آله وصحبه ،،، أما بعد:
في مرة من المرات حضرت دورة في تغسيل الأموات في جامع الراجحي القديم عام
1422ه قبل أربع سنوات، والتي هي من إعداد وتقديم الشيخ عائض الشمراني
والذي يقوم بتغسيل الأموات في نفس الجامع فيما عهدته، وحيث أن الدورة غريبة
من نوعها (دورة في تغسيل الأموات) فقد كان شرط الحصول على شهادة (مغسل
للأموات) ومختومة من وزارة الشئون الإسلامية تمر بمرحلتين:
الأولى: حضور الدورة في أغلب دروسها.
والثانية: الاختبار النظري والتطبيق العملي على عشر جنائز!! خلال فترة محددة.
لا تهم الشهادة بقدر ما تهم المعرفة، فقد شرد وهرب الكثير من الحاضرين في
الدورة لحظة بداية الاختبارات وأنا منهم، وهذا ما يسترعي لفت النظر إلى سر
هذه الظاهرة في مثل هذه الدورات، إذ الحاضرون 100 والناجح لا يتعدون أصابع
اليد الواحدة!!، مما يدل على أن المسألة مستصعبة جداً من الناس أن تُعرف
بين الأوساط الاجتماعية بأنك مغسل حاذق لجميع أنواع الأموات بكافة أشكالهم
وصورهم (طبيعي - حوادث - حرق - غرق - قصاص - دهس - انفجار - هدم - حروب -
أمراض ،، الخ) أو تتحمل هذه المهنة وتصبر على أنواع المشاهد للأموات التي
تراها كل يوم.
وقد جاء في فضل تغسيل الأموات بضعة أحاديث منها:
فقد روى الطبراني في معجمه الكبير عن أبي رافع عن النبي صلى الله عليه
وسلم: من غسل ميتاً فكتم عليه غفر له أربعون كبيرة.، قال الحافظ ابن حجر في
كتابه الدراية في تخريج أحاديث الهداية: إسناده قوي، وضعف هذه الرواية
الشيخ الألباني.
وروى الحاكم في المستدرك عن أبي رافع قال: قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: من غسل ميتاً فكتم عليه غفر له أربعين مرة، ومن كفن ميتا كساه الله
من سندس وإستبرق الجنة، ومن حفر لميت قبراً وأجنّه فيه أجري له من الأجر
كأجر مسكن إلى يوم القيامة. هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، وأقره
على ذلك الذهبي في التلخيص، وصححه أيضاً الألباني، (هكذا بلفظ أربعين في
نسخة المستدرك المطبوعة، والمصادر الحديثية التي عزت إليه).
وبهذا يتبين أنه قد ورد ما يدل على أن تغسيل الميت يكفر أربعين كبيرة -ولكن
بشرط الستر والكتم عليه- وذلك في الرواية التي رواها الطبراني وقواها
الحافظ في الدراية، وضعفها الألباني، وفي رواية الحاكم التي في المستدرك:
غفر له أربعين مرة. وليس أربعين كبيرة، وقد صححها الذهبي والألباني كما
تقدم.
والله أعلم.
أما عن القصص التي حدَّث بها الشيخ عائض الشمراني في هذه الدورة فهي لا تنسى أبداً وأذكر من ذلك:
1) سألناه عن تغسيل تارك الصلاة بأن العلماء قالوا بأنه لا يغسل ولا يكفن
ولا يصلى عليه ولا يدفن في مقابر المسلمين بل يحفر له حفرة في البرية ويرمى
فيها ويكبس بالتراب، والسؤال هل تطبقون ذلك عملياً أم أن في ذلك إحراج ؟
فأجاب: بأنه قبل ثلاثة أسابيع (وقتها) جاء أب بولده الشاب إلى المغسلة وقبل
أن نشرع في تغسيله أخبرنا بأن ابنه لا يصلي وأنا أبرِّي ذمتي لذمتك يا شيخ
!!، فما كان من المغسلين إلا أن قالوا له خذ ولدك فلا نغسله ولا نكفنه ولا
نصلي عليه بل ادفنه في البرية. وفعلاً أخذ الأب ابنه ودفنه في البرية ولم
يدفنه في مقابر المسلمين.
وأخبر الشيخ عائض الشمراني أنه يحصل هذا مرات وليست المرة الأولى.
2) أخبر مرة الشيخ عائض الشمراني أن أبناءً جاؤوا بأبيهم (الميت) لكي يتم
تغسيله ! لكن الغرابة تكمن في أنه لم يسلموا للمغسلة تصريح دفن من الشرطة
وإثبات الوفاة من المستشفى (من الباب للطاقة) فقال الشيخ: وضعتُ أباهم على
المغسلة ونظر إليه فإذا هو ليس فيه علامات للوفاة معروفة كميلان أرنبة
الأنف يميناً أو يساراً، فقام وأمسك بأنفه ودلكها بصورة سريعة (لأن الأنف
كما يقول الشيخ له اتصال قوي بالروح وسرعة استجابة ولذلك يغمى الشخص سريعاً
إذا ضُرِب في أنفه) فأفاق الأب من غيبوبته وأمره بالمكوث في مكانه، وقام
بإبلاغ الشرطة بالواقعة، فتبين في نهاية المطاف أن الأبناء ظنوا أن والدهم
قد مات بينما هو داخل في غيبوبة، ولأنهم يجهلون إمارات الوفاة في الإنسان
ظنوا أن والدهم قد مات فعلاً، والشيخ ظن المسألة أن فيها جناية ورغبة من
الأبناء في التخلص من أبيهم.
وسر إيراد هذه القصة أنه لا بد من معرفة إمارات الموت في الإنسان حتى لا
يُظن أن المغمى عليه ميت أو الميت مغمى عليه فيحدث حالة من الارتباك وتكون
لها عواقب وخيمة.
3) من القصص أن الشيخ ذكر كيفية تغسيل المقصوص بحد السيف، وقد سبق له تغسيل
مقصوص، فقال بأن رقبته تغور في جسده وتختفي تماماً، وطريقة تغسيل المقصوص
كالتالي:
يؤتى بالرأس فيثبت في الجسد، ثم تؤتى بخرقة طويلة فتوضع فوق الرأس ثم يدلى
بطرفاها إلى أسفل الإبطين وتمر منهما ثم ترجع إلى الرأس ثم تعمل عقدة وبذلك
يتم تثبيت الرأس ثم يغسل بصورة طبيعية.
4) من الأمور التي ذكرها الشيخ فترة احتضار الإنسان فقال بأن أقلها لحظة وأكثرها يومان !!.
5) ذكر الشيخ بأنه حضر إلى أحد المحتضرين الشيبان الذين يعرفهم فقال
المحتضر بأنه يشوف ناس ماهم بناس !!، فهذه ملائكة الموت قد جاءت إليه.
6) ذكر الشيخ بأن للجنائز مواسم كأيام الاختبارات وإجازة الصيف فتقل الجنائز وتكثر في أوقات معروفة من العام.
7) كان الشيخ يستعصي عليه تغسيل من فيه مرض الإيدز، فكانوا يلبسون القفازات
ويحتاطون أشد الحيطة من انتقال المرض من الميت إليهم، حتى أثبت لهم أحد
الأطباء بأن مرضى الإيدز يموت مرضهم معهم مباشرة والحمد لله فلا عدوى
بعدها، وأثبت هذا الطبيب ذلك عملياً فحضر إلى مغسلة الراجحي في فرصة من
الفرص وغسل رجلاً مصاباً بالإيدز بيده مباشرة بدون حائل أو لبس للقفازات،
فاطمئنوا إلى مثل هذه الحالات ألا خوف من تغسيلها.
8) ذكر الشيخ بأنه يُؤتى بأناس من الخارج في توابيت وخاتمتهم سيئة، فأحدهم
تم تغسيله وذكره منتصب بعد الموت والعياذ بالله !! إذ مات زانياً ولا حول
ولا قوة إلا بالله.
9) ذكر الشيخ مأساة خاصة بمغسلي الأموات إذ الناس ينفرون منهم ولا
يجالسونهم، فيقول أجلس على العشاء في العرس على صحن لوحدي ولا أحد يجالسني
لأني مغسل للأموات ، والوضع طبيعي يعني هل الشيخ سيخطف الجالسين على
العشاء معه ويغسلهم وسط العرس أو متشائمين منه؟ الله أعلم.
ومن طرائف الأمور في ذلك أنني بالرغم من حضوري للدورة وهروبي من الاختبارات
النظرية والعملية قدر الله علي بعد الدورة بأسبوع مباشرة أن توفى طفل رضيع
عمره 6 أيام وكنت وقتها في قريتي بعيداً عن المدن وليس هناك أي رسميات في
موضوع الوفاة، فقط تغسيل ثم الصلاة عليه ثم الدفن، وقد كنت في الواجهة،
فقلت يا ولد جرب وتو معلومات الدورة في الرأس ما راحت، فأخذت هذا الطفل
الرضيع وطبقت عليه وغسلته وكفنته، فكنت أكفنه كم مرة لأني لم أضبط الكفن
والمقاس، والرضيع زرّق علي وتغير لونه من البرد وأنا أحاول أضبط التربيط
حسب الشرح الذي شرحه الشيخ عائض في كيفية التكفين، وبعد أن انتهيت ودفنت
الطفل، أخبرتُ شخصاً بعد عودتي من القرية وكان حاضراً معي الدورة وشرحتُ له
ما فعلت فخطأني في أحد مواضع التغسيل وقال يا غبي هذا يُفعل في حالة كذا
وكذا فأخذتها درس لكن السالفة ماهي على قضية التغسيل، السالفة أن عمرك كله
ما غسلت ميت ثم تحضر دورة لمدة أسبوعين ثم بعدها بأسبوع بالغصب تغسل ميت
خصوصاً وأنا هارب من الاختبارات العملية في الراجحي، ثم بعدها ولا ميت إلى
يومكم هذا.
هذه بعض القصص التي ضبطها من الشيخ عائض الشمراني جزاه الله خيرا، وحقيقة
فهذا الموضوع يشبه موضوع علم الفرائض إذ أن هذين العلمين في طريقهما إلى
الاندثار فلا يستطع الناس قسمة التركات ولا تغسيل موتاهم التغسيل الشرعي
حسب السنة، ولا طريقة التعامل مع الميت وإكرامه ابتداءً من بدء الاحتضار
وانتهاءً بقسمة تركته، فالله الله أن نفرغ أنفسنا ولو لفترة وجيزة في الصيف
لتعلم هذه الأمور وإتقانها وحضور هذه الدورات النادرة بل والتأكيد على
المغسلين المعروفين بالعلم الشرعي على مواصلة إقامة مثل هذه الدورات
والتنسيق معهم حفاظاً على هذا العلم من الاندثار حتى ولو من غير تطبيق عملي
على ميت حي بل يطبق على دمية تساهم في تقريب المعلومة بدرجة واضحة وقريبة
من الحقيقة مع مشاهدة بعض الأفلام الحقيقية في التغسيل، وبذلك يتم تخريج
العشرات من الجاهزين لتغسيل الأموات إن شاء الله.
ولي ملاحظة بسيطة على هذه الدورات، وهي أن مسألة حفر القبور وطريقة الدفن
والتدريب على ذلك ليس لها أي خطة عملية في هذه الدورات، فأرجو أن يراعى
تدريب الدارسين على حفر القبور والدفن وكيفية صنع اللحد واللبن بصورة صحيحة
وما إلى ذلك مما بات كثير من الناس يجهلون كيفية السنة فيها عملياً، وليت
المصلحين يهتمون بهذه النقطة ويولونها رعايتهم حفاظاً على هذه السنن من
الاندثار وإحياءً لما قد اندثر فعلاً والله المستعان.